غياب التلاميذ عن الفصول الدراسية بالسلك الثانوي التأهيلي داخل مديرية بني ملال: من المسؤول؟

0 393

بقلم الأستاذ: حسن تزوضى ،مدرس بثانوية الزرقطوني التأهيلية ببني ملال

لم يعد مشهد الأقسام الدراسية شبه الفارغة غريباً في عدد من المؤسسات التعليمية بمديرية بني ملال، خصوصاً في السلك الثانوي التأهيلي، حيث باتت نسب الغياب المسجلة جد مرتفعة، فظاهرة الغياب المتكرر للتلاميذ لم تعد حالة معزولة، بل تحوّلت إلى مؤشر خطير على أزمة تربوية عميقة تضرب في جذور المنظومة التعليمية. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: من المسؤول عن هذا الوضع؟ وما السبيل لإصلاحه؟
الغياب وضياع الهدف المدرسي
المدرسة ليست فقط فضاءً للتعلم، بل هي مشروع مجتمعي لبناء المواطن. غير أن الغياب المستمر عن الفصول الدراسية يُفرغ المدرسة من معناها التربوي والإنساني، ومن أداء وظائفها المختلفة ويحرم المتعلم من حقه في التكوين الذهني والوجداني، فحين يفقد التلميذ هدفه من التمدرس، يصبح الحضور إلى القسم مجرد روتين لا معنى له، أو عبئاً يومياً يسعى إلى التملص منه.
مسؤولية الإدارة الوصية وضعف التأطير الإداري
لا يمكن الحديث عن غياب التلاميذ دون الإشارة إلى مسؤولية الإدارة التربوية الوصية، فالنقص الحاد في الأطر الإدارية داخل المؤسسات التعليمية يجعل عملية تتبع التلاميذ وضبط حضورهم شبه مستحيلة. كما أن غياب نظام مراقبة فعال وتراخي بعض الإدارات في تطبيق المساطر التأديبية يسهم في ترسيخ ثقافة اللامبالاة والانفلات داخل الوسط المدرسي.
تراجع سلطة الأستاذ والإدارة التربوية
في الماضي، كان للأستاذ هيبة واحترام يفرضه حضوره المعرفي والقيمي داخل القسم. أما اليوم، فقد تراجعت هذه السلطة أمام خطابات التبخيس الاجتماعي والإعلامي، حتى أصبحت الإدارة التربوية نفسها تجد صعوبة في ضبط السلوكيات والغياب. هذه الوضعية أفقدت العملية التعليمية عنصرها الحاسم: الانضباط والمسؤولية.
انسحاب جمعيات الآباء وتراجع دورها
كان من المفترض أن تكون جمعيات الآباء شريكاً فاعلاً في مراقبة الغياب ومواكبة التلاميذ، لكنها في كثير من الأحيان تحولت إلى إطار شكلي لا يتجاوز عقد الاجتماعات الموسمية، فانسحابها من المشهد التربوي جعل المؤسسات التعليمية تواجه المشكلات السلوكية والغياب بوسائل محدودة وضعيفة.

الأزمات النفسية والأسرية وضعف التوجيه
لا يمكن إغفال البعد النفسي والاجتماعي للظاهرة. فالكثير من التلاميذ يعانون من اضطرابات أسرية، وضغوط نفسية، وشعور بالإقصاء أو الفشل. كما أن ضعف التوجيه المدرسي والمهني يجعل المتعلم يجد نفسه في تخصص لا يرغب فيه، مما يفقده الحافز والرغبة في التعلم.
هنا يتحول القسم إلى فضاء غريب عنه، والغياب إلى وسيلة هروب رمزية من واقع لا يُرضيه.

تراجع جاذبية المدرسة المغربية
المدرسة المغربية، في كثير من الحالات، لم تعد بيئة محفزة للتعلم: فضاءات متدهورة، تجهيزات متواضعة، مقررات جافة، وأساليب تدريس تقليدية لا تراعي خصوصية الجيل الجديد. كل هذا يجعل المدرسة بعيدة عن اهتمامات المتعلمين الذين لم يعودوا يجدون فيها ذواتهم ولا مستقبلهم.

آثار الغياب على التحصيل الدراسي
نتائج هذا الغياب الممنهج تظهر بوضوح في ضعف نسب النجاح في فروض المراقبة المستمرة والامتحانات الإشهادية، بل وحتى في تراجع جهة بني ملال خنيفرة وطنياً من حيث مؤشرات النجاح. فحين يغيب التلميذ عن الحصص، يغيب معه التعلم والانضباط، وتغيب بالتالي جودة المخرجات التعليمية.
من أجل عمل جماعي ومسؤول
لا يمكن معالجة هذه الظاهرة إلا بمقاربة تشاركية تشمل:
الإدارة التربوية الجهوية والإقليمية: عبر تفعيل المراقبة والمواكبة الميدانية.
الأطر التربوية: من خلال استعادة الثقة وبناء علاقة تواصلية مع التلاميذ.
جمعيات الآباء: عبر الانخراط الحقيقي في تتبع الغياب، وإشراك الآباء في ضبط أبنائهم وتتبعهم
التوجيه التربوي: بإعادة النظر في توجيه المتعلمين نحو ما يناسب ميولاتهم وقدراتهم.
السلطات المحلية والمجتمع المدني: بدعم حملات تحسيسية حول مخاطر الانقطاع المدرسي.
كما ينبغي على الإدارات التربوية التحلي بالحزم في تتبع الغياب، وتطبيق مقاربة زجرية متوازنة، لأن الانضباط شرط أساسي لنجاح أي إصلاح تربوي، فلا يعقل أن لا يتم توجيه التلاميذ المتغيبن بشكل مستمر، ولا يعقل أن يمنح بالدخول إلى الفصول الدراسية دون تبرير الغيابات المتكررة …

خلاصة القول أن ظاهرة غياب التلاميذ عن الفصول الدراسية ليست مجرد مسألة إدارية، بل هي عرض لمرض أعمق في جسد المدرسة المغربية.
وما لم تُسترجع هيبة المدرسة، ويُعاد الاعتبار للفاعل التربوي، وتُزرع في المتعلم روح الرغبة والمعنى، فستبقى الأقسام فارغة، والأهداف التربوية معلقة في الهواء.
المدرسة ليست بناية فقط، إنها ضمير أمة، إن غاب عنها الحضور، غاب عنها المستقبل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.